التوتر التركي اليوناني ليس حديث العهد؛ بل هو نتيجة خلاف دام أكثر من قرنين، لكنه عاد ليتصدّر الساحة بعدما تحولت مياه شرق المتوسط لأكثر الأماكن البحرية إثارة للتوتر وخصوصًا بين تركيا واليونان، المتصارعتان على ملكيّة أراضي بحريّة زادت أهميتها بعد اكتشاف الموارد الطبيعية فيها.
جاء ذلك بعد أيام من إعلان أنقرة عزمها البدء بالتنقيب عن النفط والغاز في مناطق متنازع عليها قرب جزيرة (كريت)، بموجب مخرجات مذكرة التفاهم التي وقعت عليها تركيا وحكومة الوفاق الليبية.
وقال وزير الدفاع اليوناني “نيكوس بانايوتوبولوس” في حديث تلفزيوني إن بلاده مستعدة لكل شيء في سبيل حماية حقوقها السيادية، بما في ذلك العمل العسكري ضد تركيا.
ورد الرئيس التركي أردوغان بالقول إن: “سفن التنقيب التركية هناك ترافقها السفن الحربية والطائرات، وأي خطأ ترتكبه اليونان ستلقى جزاءه”.
ودعا أردوغان اليونان إلى: “الابتعاد عن التصرفات الخاطئة” التي تدعمها دول أهمها فرنسا في المياه المتنازع عليها بعدما دفعت مناورات بحرية أجرتها كل من أثينا وأنقرة في المنطقة باريس إلى تعزيز تواجدها فيها.
وكان الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” قد أعلن عن تعزيز وجود بلاده العسكري شرق المتوسط قائلًا: “الوضع شرقي المتوسط يبعث على الانشغال، وأن أعمال التنقيب التركية الأحادية تثير توترات”.
في المقابل، أكّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في منتصف سبتمبر الماضي أن بلاده ردت على جميع محاولات الاعتداء عليها؛ وقال: “قدّمنا ردنا على هذه الهجمات باللغة التي يفهمونها، عبر العمليات التي نفذناها شمالي العراق وسوريا وليبيا وشرق البحر المتوسط”.
وأضاف أردوغان: “أيضًا رددنا، وقلنا لهم إياكم والاعتداء على سفينتنا (ARUÇ REYİS)، فإن أقدمتم على ذلك فستدفعون ثمنًا باهظًا، وهاهم تلقوا أول رد منا”.
لاتقتصر العلاقات التركية اليونانية المتوترة على سفن التنقيب وحسب بل كل ذلك يعود لخلافات تاريخية على الحدود البرية والبحرية، والمياه الإقليمية، والمجال الجوي، وجزيرة قبرص.
ويضاف إليها خلافات جديدة تتعلق بالتنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط، وملف اللاجئين، واستضافة اليونان (انقلابيين أتراك)، والخلاف حول (آيا صوفيا)، والنزاع الإقليمي في المنطقة بشكل عام وليبيا وسوريا بشكل خاص.
متى بدأ هذا الصراع؟
إن هذا الصراع التاريخي القديم تشكلت بدايته بعد هزيمة الدولة البيزنطية وفتح مدينة القسطنطينية (إسطنبول) على يد محمد الفاتح وفي العصور المعاصرة بدأ الخلاف بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى 1918.
وخلال الإعداد لاتفاقتي (سفر، لوزان) اللتين اقتطعتا أجزاء كبيرة من أراضي الدولة العثمانية المهزومة لصالح اليونان، تعمق الخلاف بعد دخول تركيا لشمال قبرص عام 1974م من أجل حماية القبارصة الأتراك من بطش القبارصة الروم في ذلك الوقت لتتحول قبرص لأحد الأطراف الرئيسية في الخلاف وتشكل مع اليونان محورًا ضد تركيا.
اندلعت بعدها ثلاث حروب بين تركيا من جهة وقبرص واليونان من جهة أخرى في أعوام 1974 و1987 و1996، بعدها ظهرت الخلافات حول الاضطهاد العرقي وحقوق التعدين في بحر “إيجة” والسيادة على بعض الجزر غير المأهولة في “ايجة”.
تجدد الصراع في مطلع عام 2018 حيث منع خفر السواحل التركي وزير الدفاع اليوناني (بانوس) من الوصول لجزيرة كارداك والذي برر قدومه من أجل وضع اكليل الزهور هناك، بل قام الجيش التركي برفع العلم التركي على الجزيرة ليعود وزير دفاع اليونان أدراجه خائبًا.
لم تهدأ الخلافات بين تركيا واليونان يومًا أبدًا، وآخرها الصراع التركي اليوناني على غاز المتوسط، ولم تخضع تركيا لتهديدات أوروبا في المتوسط، بل أرسلت سفنها بالقوة للتنقيب في المتوسط.
بدأ الصراع التركي اليوناني منذ فتح القسطنطينية ولم يحل هذا الصراع حتى هذه اللحظة، ولا ترتسم على ملامحه وجود حل في المستقبل القريب، ويبقى التوتر سيد الموقف.
المصادر:
https://www.aljazeera.net/news/politics/2020/8/14/%D8%AA%D8%AD%D8%B1%D8%B4-%D9%8A%D9%88%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A-%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D9%8A-%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%A8%D9%84%D9%87-%D8%AA%D9%87%D8%AF%D9%8A%D8%AF
https://www.aljazeera.net/news/2020/6/10/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%AA%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%87%D9%84-%D9%8A%D9%86%D8%B2%D9%84%D9%82-%D8%A5%D9%84%D9%89
https://arabic.euronews.com/2019/12/06/the-greek-turkish-dispute-because-of-the-libyan-turkish-agreement
https://turk-post.net/p-319729/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%AA%D9%87-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A8/