ليلةٌ من ليالِ اليُتم لا قمرٌ يضيئ الظلام
ولا نجومٌ تُزين السماء.. لا شيء إلاّ سوادٌ حالك يسود
ويفترش الحياة صباحً مساء، حزنٌ عقيم يُولِّد الموت
ونفسٌ مكتومٌ في كهفِ الحرب..
من هناك جئتك يا حنظلة
من أرضِ الشام خرجت ملهوفاً، تركت الياسمين ورائي يختنق بالنار وتركت الفرح معلقاً من أعناقه على خشبةِ المدن الجميلة..
جئتك لأحكي لك عن دموع الثكالى وعن قهر الأباء.. وعن تمزق قلوب الأمهات وعن قتل الزهور البريئة وعن حكاية الجدران المحروقة
لأحكي لك عن عدلٍ ميت وحكمٍ ظالم وصمتٍ ألعن وأرواحٍ معذّبة..
حتى الموت أصبح ظالم لاشيء…
عادل إلا الظلم يا حنظلة
جئت لأسألك عن قنديلِ الحرية أو عن شتلةِ فرحٍ أغرسها أو عن جرةِ حبٍ وسعادة.. لعلي أعود إلى الوطن جابراً مجبوراً..
هل نحن أهل الحروب أم الحروب هي أهلنا؟
بالله عليك أجبني..؟
الصمت أكل ضمير الشعوب..
أرجوك لا تصمت يا حنظلة
حنظلة: ياصاحب الصوت الحزين..
أنا هنا في منذ عام النكبة.. أتذكرها؟ ومازالت روحي في ذاك المنفى إلى الآن تعيش بعيداً عن الوطن.. قريباً من القبر ، بين التراب والتراب.. لم أعرف أمي ولم أحضن أبي.
الحياة لم أكبر.. لم أكل خبزاً حنون ولم أشعر بدفء الشتاء في فلسطين. متجولٌ في الشارع أبيع طفولتي ثمن التحرير..
أعطيت بصري لكل حرٍ مكافح و تبرعت بإبتسامتي لأم كل يتيم. حاولت كثيراً أن أُبعد الحرب، أن أُشعل أنوار النصر.. ولكني لم أنجح..
عد أدراجك يا صاحبي ماعاد ينفع الفرح ولا قنديل الحرية.. أصبحت الحرب صاخبة.. وكل حضاراتنا حروب
كيف هذا يا حنظلة أ أستسلم وأنا إبن الصمود؟
كيف لي أن أعود فارغ اليدين من دون حلول؟
حنظلة :لا يا ابن الشام الشجاع.. عد وأخبر الشام أنها ستبقى ياسمينةً وستكبر لتصبح طوق من الفخر على جباه المنتصرين.. (كن مع وطنك لا تتركه وحده )
إن خرجتم جميعكم تبحثون عن الحياة لتعيدوها
من يبقى في حضن الأم؟ من يدافع اليوم ؟ومن يصنع الخبز للجائعين؟
اجمع اشيائك يا صاحبي وعد.. عالأقل أنت لديك كل شيء يؤهلك للحياة (الوطن)
أما أنا… أنا منفي
_أتعلم يا حنظلة عندما خرجت أبحث عنك لأسألك عن حياة لوطني عندما عبرت الحدود.. شعرت بروحي تتتمزق و تتعلق بحبات التراب لكني قاومتها لأجل أن أقطع نسل الموت وأخاه الحزن والضيف الكئيب.. لكني بالفعل أخطأت عندما قررت أن أبحث عن السعادة بعيداً عن وطني..
كيف للروح أن تحيا من دون الجسد ..
اليوم علمتني يا حنظلة.. نعم الحياة هي الوطن.. نعم هي هي..
حنظلة: نعم الوطن هو الحياة
الموت في الوطن أجمل من حياة من دون وطن ..
أنا ميت يا ابن الشام..
_تعال معي يا حنظلة بلادي بلادك..
سأعطيك غرفتي ونصف طعامي..
حنظلة : عد أنت.. أنا سأعود حين تعود فلسطين
وأعدك بأن أحتفل معك في نصر الشام يوماً..
أمك هي أخت أمي..
_أنا ذاهب إلى الشام أعانقها..
شكراً يا حنظلة
حنظلة :رافقتك السلامة يا ابن الشام.. بلغ سلامي
لحمص وإدلب وحلب ودرعا وكل الشجعان
_عاد ابن الشام واليوم زُفَّ إلى الجنان مبتسماً..
وعندما سأل عنه حنظلة.. أخبروه أنّ الشجاع مات في سبيل الوطن.. وهنا رفع حنظلة اصبعيه مشيراً للنصر ومازال منفياً مجهولاً..
الكاتبة: حنان العزو