“لا أستطيع التنفس” بهذه العبارة التي نطقها (جورج فلويد) قبل لحظات من وفاته في مايو 2020 بدأت سلسلة لامتناهية من المظاهرات والاحتجاجات التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى تنديداً بالعنصرية التي كانت سبباً رئيسياً لإزهاق أرواح الكثير من الناس الأبرياء.
مقتل جورج فلويد:
جورج فلويد مواطن أمريكي أفريقي الأصل يبلغ من العمر 48 تم قتله في 25 مايو على يد ضابط الشرطة (ديريك تشوفين) الذي ثبته على الأرض بغية اعتقاله لمدة تسع دقائق وفي الدقائق الثلاثة الأخيرة بدأ جورج يصرخ بعبارة “لا أستطيع التنفس” إلى أن وافته المنية، وانتشرت بعدها العديد من الفيديوهات الصادمة التي التقطها بعض المارة الذين شهدوا على هذه الحادثة الأليمة على وسائل التواصل الاجتماعي ليصبح الخبر هو الأول عالمياً في غضون ساعات قليلة.
في اليوم الذي تلا مقتل فلويد، انطلقت المظاهرات والاحتجاجات في مدينة مينابوليس، وقد كانت سلمية في البداية إلى أن تطوّرت وتصاعدت في نفس اليوم لتصل إلى أعمال شغب وتخريب، إذ حطم المتظاهرون النوافذ في دائرة الشرطة وأشعلوا النيران في مركزيين تجاريين، كما نُهِبت وتَضررت العديد من المتاجر، واشتبك بعض المتظاهرين مع الشرطة، التي أطلقت الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي الذي خلف بعض من الإصابات، وتم فصل كل من الضباط الأربعة المشتركين في الجريمة لكن هذا الخبر لم يُهدأ من غضب الجموع المتظاهرة.
اتسعت المظاهرات من مدينة واحدة إلى 30مدينة في غضون 5 أيام فقط.
كيف كان رد الحكومة الأمريكية على هذه المظاهرات؟
بعد حادثة مقتل جورج فلويد بثلاث أيام خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووصف المتظاهرين بالرعاة، ودعا قوات الأمن لإطلاق النار على المتظاهرين ليأتي أول ردود الفعل من منافسه في الانتخابات القادمة والمرشح عن حزب الديموقراطيين (جو بايدن) الذي انتقد وبشدة تعامل ترامب بهذه الطريقة مع الأحداث واتهمه بالتحريض على ممارسة العنف.
لكن ترامب رد مرةً أخرى على المتظاهرين أمام البيت الأبيض تحديداً واتهمهم بأنهم يقومون بأعمال التخريب والشغب وقال: “إنهم أناس يديرهم محترفون”، وقال المحللون أنها تلميح لحركة (Antifa) اليسارية، وقال الرئيس ترامب أيضاً أن الجيش الأمريكي على أهبة الاستعداد إذا اضطر الأمر.
بعد عدة أيام من التصريحات التي قام بها الرئيس ترامب توجه الرئيس إلى كنيسة قديمة محروقة بجوار البيت الأبيض ليلتقط صورة ممسكاً فيها الإنجيل، إذ أثارت هذه الصورة العديد من الانتقادات من الشعب ومن السياسيين المخضرمين في الحكومة الأمريكية.
بعد عدة أيام من المظاهرات قام حكام لخمسة عشرة ولاية بفرض حظر تجول كامل بعد نشر قوات الأمن والحرس الوطني في الشوارع، وأعلن وزير الدفاع عدم انصياعه للأوامر وأنه لن ينشر الجيش في شوارع أمريكا واستنكر من صورة ترامب أمام الكنيسة ونفى أي إطلاق للغازات المسيلة للدموع من قبل قوات الحرس الوطني على المحتجين.
ليتراجع ترامب بعد يوم واحد من تصريح وزير الدفاع ليقول: “لن يكون ضرورياً إرسال القوات العسكرية الفدرالية إلى المدن لإخماد الاحتجاجات”.
ومن جانب ٍآخر، وبالرغم من تسيس الحادثة من قِبَل ترامب ومعارضيه السياسيين، فإن الكثير من المحللين يرون أن حادثة مقتل جورج فلويد ليست بمثابة حادثة معزولة، وأنها مؤشر على
تضاعف العنف والتطرف والتمييز في المجتمع الأمريكي، ضد الأقليات وعلى رأسها الأقلية السوداء ،والأعراق ،والديانات، كما يشير المراقبون إلى أن للحادثة دلالات واضحة على أن العنصرية لم تنتهي ولن تنتهي تماماً داخل الولايات المتحدة إذا ما بقيت الدولة تدعم هذا التمييز.
وتمت مقارنة مقتل فلويد مع مقتل إريك غارنر عام 2004، لأنه كان أيضاً رجلاً أفريقياً أمريكياً غير مسلّح، كرّر أيضاً عبارة “لا يمكنني أن أتنفّس” إحدى عشرة مرة بعد أن جثا أحد ضبّاط شرطة نيويورك بركبته على عنقه أثناء الاعتقال.
وبالرغم من مرور أكثر من 150 سنة على قانون (تحرير العبيد) الذي وقعه الرئيس الأميركي السابق أبراهام لينكولن، يبدوا أن المواطنين الأمريكيين السود، ما زالوا يتعرضون للتمييز من قبل مؤسسة الشرطة الأمريكية والعديد من مؤسسات الدولة الأخرى.
ويبقى السؤال ماذا سيحدث بعد هذه الحادثة الصادمة وهل ستأخذ العدالة مجراها، وهل ستبقى أمريكا بلد الحرّيات؟
المصادر:
https://www.aljazeera.net/
https://www.france24.com/ar
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1983929