دخل قانون “حماية المدنيين في سوريا” المختصر باسم “قانون قيصر” أو كما سمّاه الكونغرس الأميركي “H.R.31” حيّز التنفيذ في السّابع عشر من شهر حزيران سنة 2020 بهدف فرض عقوبات اقتصادية وحصار مالي على النظام السوري ورئيسه، وذلك لمَا ارتكبه من جرائم بحقّ الشعب السوري، واجباره على مقاطعة حلفائه، وتمتد فعاليّة القانون خمسة سنوات من تاريخ بدأ تنفيذه.
سُمّي “قانون قيصر” نِسبة لضابط سوريّ منشقّ لم يَكشف عن هويته واختار اسم “قيصر” لقبًا له، انشق قيصر عن النظام وسرّب 55 ألف صورة (بمعدل 4 صور للجثة الواحدة) للضحايا المعتقلين السوريين الذين قتلوا تحت التعذيب في الأفرع الأمنية وسجون النظام السوري، بيّنت هذه الصور (التي وصفت بأنها من أكبر الفظاعات التي عرفتها البشرية في تاريخها) طرق التعذيب الوحشية التي يمارسها سجّانين النظام ضد المعتقلين.
قدم قيصر هذه الصور لوكالة الخارجية في الكونغرس الأميركي بهدف إثبات الفظائع التي يرتكبها النظام السوري ضد شعبه، حيث شُكّلت لجنة تحقيق دولية مكلّفة للبحث حول جرائم الحرب في سوريا.
ووجّه “قيصر” خطابه إلى الكونغرس قائلًا “جئت لأوجه رسالة لكم: الرجاء أوقفوا القتل في سوريا”، وأضاف “هناك مذابح ترتكب والبلاد تدمر دون رحمة، هناك عشرة آلاف ضحية لن يعودوا إلى الحياة، كانت لهم أحلام وطموحات وعائلات وأصدقاء، لكنهم قضوا في سجون الأسد، السوريون يطالبونكم بفعل شيء مثلما فعلتم في يوغسلافيا السابقة”.
في شهر تشرين الثاني من سنة 2016 صادق مجلس النواب الأمريكي بأغلبية ساحقة على قانونين، أحدهما يفرض إجراءات صارمة على داعمي النظام السوري، وجدد القانون الثاني عقوبات مفروضة على إيران منذ عقود في انتظار أن يقوم بالخطوة ذاتها، ليصادق بعدها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما على مشروع القانون.
وفي العام ذاته اتهم نواب المجلس حكومة الرئيس السوري بشار الأسد بارتكاب جرائم حرب أودت بحياة نصف مليون شخص سوري تقريبًا منذ اندلاع الثورة السورية منذ ما يقارب التسع سنوات.
ينصّ قانون قيصر الذي وقّع عليه الرئيس الأميركي (دونالد ترامب) بفرض عقوبات مالية واقتصادية على النظام السوري والشركات المتعاونة معه، بهدف خنق النظام اقتصاديًا بغية إجباره على القبول بالحل السياسي للأزمة السورية على أساس قرار مجلس الأمن 2254.
أيضٍا يهدف القانون إلى حرمان الرئيس السوري من فرصة تحويل النصر العسكري “الذي حققه على الأرض” إلى رأس مال سياسي يعزز ويكرّس فرص بقائه في السلطة إلى أجل غير مسمّى.
تستهدف عقوبات قانون قيصر جميع الكيانات التي تعمل لمصالح الأسد في القطاعات الأربع: البناء، الهندسة، النفط والغاز الطبيعي، والطائرات.
بالإضافة الى معاقبة الأفراد الداعمين للنظام السوري من مسؤولين عسكريين ومدنيين، أو متعاونين يساهمون في تمويل أي نشاط للنظام السوري في أي من النطاقات الثلاثة، الاقتصادية والعسكرية والتنموية.
وتشمل العقوبات كل التعاملات مع الدول الخارجية مثل روسيا وإيران، وأي جهات أو أطراف دولية أو إقليمية تفكر في الاستثمار أو العمل في سوريا.
ويمنح قانون قيصر الحق للرئيس الأميركي في وضع قائمة بالأشخاص الذين يرى بأنهم كانوا مسؤولين عن أية انتهاكات بحق الشعب السوري ضمن قائمة العقوبات، حيث يدرج القانون ضمن هذه القائمة؛ الرئيس السوري، رئيس الوزراء ونائبه، وزراء الداخلية والمحافظون، مجلس الوزراء ورؤساء القوات المسلحة والاستخبارات، القادة والنوّاب وقادة الحرس الجمهوري.
كذلك يستهدف القانون المؤسسات الحكومية مثل “المصرف المركزي في سوريا” باعتباره مؤسسة مالية هدفها الرئيسي غسيل الأموال بحسب رؤية المشرعين الأمريكيين، حيث ينص القانون على مطالبة الإدارة الأمريكية بتحديد ما إذا كان “المصرف المركزي” هو كيان من النوع الذي يشكل مصدر قلق رئيسي بشأن غسيل الأموال.
يحدد قانون قيصر ستة شروط لرفع العقوبات عن النظام السوري في حال حققها، هي التالي؛
وقف عمليات قصف المدنيين بالطيران من قبل النظام أو روسيا.
إطلاق سراح المعتقلين السياسيين المحتجزين قسرًا، ومنح المنظّمات الدولية لحقوق الإنسان حق الوصول إلى سجون ومعتقلات النظام.
التزام القوات السورية والإيرانية والروسية والكيانات المرتبطة بها بعدم قصف المنشآت الطبية ودور التعليم والمجمعات السكنية أو التجارية.
وقف القيود التي تضعها القوات السورية والروسية والإيرانية والكيانات المرتبطة بها على وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة والسماح للمدنيين بحرية التنقل.
تأمين العودة الآمنة للاجئين السوريين بسبب الحرب في سوريا.
محاسبة مرتكبي الجرائم في سوريا وتقديمهم للعدالة.
بعد أن دخل “قانون قيصر” حيز التنفيذ، شهدت الليرة السورية تدهورًا هائلًا لم يسبق له مثيل في سعر صرفها أمام العملات الأجنبية، حيث أصبح الدولار الواحد يساوي أكثر من أربعة آلاف ليرة سورية، وأثّر ذلك على الأوضاع المعيشية للسكان الذين يعيشون في مناطق تحت سيطرة النظام السوري، حيث خرجوا بمظاهرات تهدف لإسقاط النظام معبرين عن عدم قدرتهم على تأمين مستلزمات العيش.
هل ستكون جثث المعتقلين التي تفنن جزّاري سجون الأسد في تعذيبها، سببًا في خلاص الشعب السوري من النظام واجرامه؟!
وهل سيكون التعذيب الذي تعرض له المعتقلين في مسالخ النظام فداءً للشعب السوري وخلاصاً لهم من القصف والجوع واللجوء؟!
هل سيكون الجندي المجهول “قيصر” سببًا لنصر الشعب السوري في ثورته؟!
أسئلة ينتظر الشعب السوري أجوبتها على أحر من الجمر.